فصل: أصل قوصون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


ثم قدم الخبر على قوصون أيضًا من شطي بن عبية أمير العرب بأن قطلوبغا الفخري قد خامر على قوصون وحلف لأحمد بن الناصر هو ومن معه من الأمراء وأنهم أقاموا أحمد سلطانًا ولقبوه بالملك الناصر وذلك بمكاتبة الأمير طشتمر الساقي نائب حلب له يعتبه على موافقة قوصون وقد فعل بأولاد أستاذه ما فعل ويعزم عليه أنه يدخل في طاعة أحمد ويقوم بنصرته‏.‏

فصادف ذلك من الفخري ضجره من الإقامة على حصار الكرك وشدة البرد وعظم الغلاء فجمع من معه وكتب إلى أحمد يخاطبه بالسلطنة وقرر الصلح معه‏.‏

وكتب لنائب حلب بذلك فأعاد جوابه بالشكر وأعلمه بأن الأمير طقزدمر نائب حماة وأمراء دمشق قد وافقوه على القيام بنصرة أحمد‏.‏

وكان الأمير ألطنبغا الصالحي نائب الشام قد أحس بشيء من هذا قآحترس على الطرقات حتى ظفر بقاصد طشتمر نائب حلب على طريق بعلبك ومعه كتب فأخذها منه وبعث بها إلى قوصون فقدمت ثاني يوم ورود كتاب شطي بمخابرة الفخري فإذا فيها‏:‏ ‏"‏ الملكي الناصري ‏"‏ فآضطرب قوصون وجمع الأمراء وعرفهم ما وقع وأوقفهم على الكتب وذكر لهم أنه وصل منه إلى قطلوبغا الفخري في هذه السفرة مبلغ أربعين ألف دينار سوى الخيل والقماش والتحف‏.‏

ورسم قوصون بإيقاع الحوطة على دور الأمراء المجردين مع الفخري إلى الكرك فمازال به الأمراء حتى كف عن ذلك‏.‏

وألزم مباشريهم بحمل ما وصل إليهم وبجميع حواصلهم وصار قوصون في أمر مريج مما بلغه‏.‏

وكتب إلى الأمير ألطنبغا الصالحي نائب الشام بخروجه لقتال طشتمر الساقي حمص أخضر نائب حلب ومعه نائب حمص ونائب صفد ونائب طرابلس وكتب إليهم قوصون بالسمع والطاعة إلى طاعة نائب الشام وحمل إليهم النفقات‏.‏

فلما بلغ ألطنبغا الصالحي نائب الشام ذلك تجهز وخرج من دمشق بعساكرها في جمادى الآخرة فتلقاه الأمير أرقطاي نائب طرابلس على حمص وصار من جملة عساكره وأخبره بكتاب نائب حلب إليه يدعوه لموافقته وأنه أبى عليه‏.‏

ثم بعث ألطنبغا نائب الشام إلى الأمير طقزدمر نائب حماة من آستماله وحلفه على طاعة الملك الأشرف كجك‏.‏

ولما بلغ طشتمر حمص أخضر مجيء ألطنبغا نائب الشام إليه أرسل آستدعى ابن دلغادر فقدم عليه فآتفق معه على المسير إلى أبلستين وسار به ومعه ما خف من أمواله وأخذ أولاده ومماليكه فأدركه عسكر حلب وقد وصل إليهم كتاب نائب الشام بالاحتراس عليه ومنعه من الخروج من حلب فقاتلوه عدة وجوه فلم ينالوا منه غرضًا وقتل من الفريقين خمسة نفر وعادوا وأكثرهم جرحى‏.‏

فلما وصل طشتمر إلى أبلستين كتب إلى إرتنا يستأذنه في العبور إلى الروم فبعث إليه إرتنا بقاضيه وعدة من ألزامه وجهز له الإقامات‏.‏

فمضى طشتمر إلى قيصرية وقد توجه إرتنا لمحاربة ابن دمرداش بعد أن رتب لطشتمر كل يوم ألفي درهم‏.‏

وأما ألطنبغا الصالحي نائب الشام فإنه قدم إلى حلب وكتب إلى قوصون يعلمه بتسحب طشتمر نائب حلب إلى جهة الروم وأنه استولى على مدينة حلب‏.‏

فقدم كتابه على قوصون في يوم الأربعاء ثاني شهر رجب‏.‏

ثم في يوم الإثنين سابع رجب فرق الأمير قوصون إقطاعات الأمراء المجردين مع قطلوبغا الفخري الخارجين عن طاعة قوصون وعدتهم اثنان وثلاثون أميرًا منهم أمراء طبلخانات ستة عشر وأمراء عشرات ستة عشر وأميران مقدمان‏:‏ الفخري وقماري‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء تاسع عشرين رجب قدم الأمير الشيخ علي بن دلنجي القازاني أحد أمراء العشرات المجردين وأخبر بمسير قطلوبغا الفخري من الكرك إلى دمشق وأنه يريد مواقعته مع ألطنبغا الصالحي نائب الشام‏.‏

وكان من خبره أن الأمير ألطنبغا لما دخل حلب أخذ موجود طشتمر حمص أخضر وباعه وبينما هو في ذلك بلغه دخول قطلوبغا الفخري بمن معه إلى دمشق وأنه دعا للناصر أحمد وقد وافقه آق سنقر السلاري نائب غزة وأصلم نائب صفد ومن تأخر من أمراء دمشق بها مثل سنجر الجمقدار وتمر الساقي وأن آق سنقر نائب غزة وقف لحفظ الطرقات حتى لا يصل أحد من مصر إلى ألطنبغا الصالحي وأن قطلوبغا أخذ في تحصيل الأموال من دمشق للنفقة على الأمراء والجند وأن الأمير طقزدمر نائب حماة قدم عليه في غد دخوله‏.‏

وركب الفخري وتلقاه وقوي بهم وآستخدم جندًا كثيرة ونادى بدمشق‏:‏ من أراد الإقطاع والنفقة فليحضر‏.‏

وأخذ مالًا كثيرًا من التجار وأكره قاضي القضاة تقي الدين بن السبكي حتى أخذ مال الأيتام وأخذ أجر الأملاك والأوقاف لثلاث سنين فجمع مالًا عظيمًا‏.‏

وأتته جماعات من الأجناد والتركمان وكتب أوراقًا من ديوان الجيش بأسماء الأجناد البطالين وأنعم على البطالين بالخيل والقماش والسلاح‏.‏

وحلف قطلوبغا الجميع للسلطان الملك الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون وعمل برسمه العصائب السلطانية والسناجق الخليفتية والكنابيش والسروج والغاشية والقبة والطير وسائر أبهة السلطنة‏.‏

وكتب إلى الملك الناصر أحمد يعرفه بذلك فأجابه الناصر بالشكر والثناء‏.‏

فلما سمع قوصون ذلك جمع الأمراء للمشورة فاتفق الرأي على تجريد أمراء إلى غزة فتوجه برسبغا الحاجب وأمير محمود الحاجب وعلاء الدين علي بن طغريل في جماعة‏.‏

ثم كتب قوصون إلى ألطنبغا نائب الشام على يد أطلمش الكريمي بأن يسير من حلب إلى قتال الفخري بدمشق فتوجه أطلمش الكريمي على البريد من البرية لانقطاع الطريق حتى وصل إلى حلب وعرف ألطنبغا الخبر فخرج ألطنبغا بمن معه من العساكر وسار حتى قدم حمص وقد خرج الفخري من دمشق ونزل على خان لاجين وأمسك المضيق وأقام الجبلية والعشير على الجبلين ووقف هو بالعسكر في وسط الطريق‏.‏

وأما ألطنبغا فإنه حلف ومن معه من العساكر وسار من حمص يريد الفخري حتى قرب منه وعدد الجمعين نحو ثلاثة عشر ألف فارس فتمهل ألطنبغا كراهية لسفك الدماء وأرسل إلى الفخري رسلًا ودام على ذلك ثلاثة أيام فلم يتم بينهما أمر‏.‏

وبعث قطلوبغا الفخري إلى جماعة من أصحاب ألطنبغا يعدهم ويستميلهم حتى وافقوه‏.‏

فلما تعبت الرسل بينهم وملت العسكر من شدة البرد بعث ألطنبغا في الليل جماعة من أصحابه ليهجموا على الفخري من ورائه ويلقاهم هو من قدامه وركب من الغد فمال كل أمير بمن معه من أصحابه إلى جهة الفخري وصاروا من جملته فلم يبق معه سوى أرقطاي نائب طرابلس وأسنبغا بن بكتمر البوبكري وأيدمر المرقبي من أمراء دمشق فانهزموا على طريق صفد إلى جهة غزة والقوم في أثرهم بعد أن كانت بينهم وقعة هائلة انهزم فيها ألطنبغا نائب الشام‏.‏

ثم آلتفت الفخري إلى جهة دمشق وترك السير خلف ألطنبغا حتى دخل دمشق مؤيدًا منصورًا‏.‏

وكتب في الحال مع البريد إلى الأمير طشتمر الساقي حمص أخضر نائب حلب يعرفه بنصرته ويدعوه إلى الحضور من بلاد الروم وأنه في انتظاره بدمشق‏.‏

ثم حلف الفخري ومن معه للملك الناصر أحمد وأمر الخطباء فدعوا له على منابر دمشق وضرب السكة بآسمه‏.‏

وأما ألطنبغا الصالحي نائب دمشق فإنه وصل إلى غزة بمن معه فتلقاهم الأمير برسبغا الحاجب ورفقته وكتب ألطنبغا إلى قوصون بما وقع فلما بلغ قوصون الخبر قامت قيامته وقبض على إخوة أحمد شاد الشرابخاناه وعلى قرطاي أستادار الفخري‏.‏

ثم قدم على قوصون كتاب الفخري يعتبه على إخراج أولاد أستاذه إلى قوص وقتل الملك المنصور أبي بكر وأن الاتفاق وقع على سلطنة الملك الناصر أحمد ويشير عليه بأن يختار بلدًا يقيم بها حتى يسأل له السلطان الملك الناصر أحمد في تقليده نيابتها‏.‏

فقام قوصون وقعد لما سمع ذلك وجمع الأمراء فوقع الاتفاق على تجهيز التقادم للأمراء بغزة‏.‏

فجهز قوصون لكل من ألطنبغا نائب الشام وأرقطاي نائب طرابلس ثلاثين بذلة قماش وثلاثين قباء مسنجبة بطرازات زركش ومائتي خف ومائتي كلفتاه وكسوة لجميع مماليكهما وغلمانهما وحواشيهما‏.‏

وجهز لكل من الأمراء الذين معهما ثلاث بذلات وأقبية بسنجاب وكسوة لمماليكهم وحواشيهم‏.‏

وأخذ قوصون في الإنعام على المماليك السلطانية وأخرج ثلاثمائة ألف دينار من الذخيرة لتجهيز أمره حتى يخرج بالعساكر إلى الشام‏.‏

وأخرج أربعمائة قرقل وعدة زرديات وخوذ وغيرها وأنعم على جماعة من المماليك السلطانية بإمريات وغير إقطاعات جماعة منهم‏.‏

ثم كتب قوصون إلى الأمراء بمسيرهم من غزة إلى جهة القاهرة وهيأ لهم الإقامات والخيول وبعث إليهم بالحلاوات والفواكه وسائر ما يليق بهم‏.‏

وبينما قوصون في ذلك إذ ركب الأمراء عليه في ليلة الثلاثاء تاسع عشرين رجب وقت العشاء الآخرة‏.‏

وسبب ركوبهم عليه تنكر قلوب الأكابر عليه لأمور بدت منه منها‏:‏ قتل الأمير بشتك الناصري بغير ذنب وهو أعز خشداشيته ولم يكفه ذلك حتى قتل الملك المنصور أبا بكر وهو ابن أستاذه وكان يكفيه الخلع من الملك‏.‏

ومنها قوة الوحشة بينه وبين الأمير أيدغمش الناصري أمير آخور وهو أكبر خشداشيته فأخذ أيدغمش يدبر عليه وغير خواطر جماعة كثيرة عليه‏.‏

ثم كان من انتصار قطلوبغا الفخري على ألطنبغا الصالحي نائب الشام ما كان فكتب قطلوبغا إلى أيدغمش سرًا بأنه سلطن أحمد وحرضه على الركوب إلى الكرك بمن قدر على استمالته‏.‏

وكان قوصون قد آحتفل لقدوم ألطنبغا نائب الشام ومن معه احتفالًا زائدًا وفتح ذخيرة السلطان وأكثر من النفقات والإنعامات حتى بلغت إنعاماته على الأمراء والخاصكية ستمائة ألف دينار‏.‏

فشاع بأنه يريد أن يتسلطن فخاف أيدغمش وغيره من تحكمه في السلطنة وحرض الأمراء الخاصكية حتى وافقه الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني والأمير يلبغا اليحياوي في عدة من المماليك السلطانية وجمع كثير من أكابر الأمراء منهم‏:‏ الأمير الحاج آل ملك والأمير بدر الدين جنكلي بن البابا واتفقوا الجميع أنهم يسيروا جميعا إلى الكرك عند قدوم ألطنبغا نائب الشام وخروجهم إلى لقائه‏.‏

فلما كان يوم الإثنين ركب الأمير قوصون في الموكب تحت القلعة على العادة وطلب الأمير تلجك ابن أخته وأخرجه إلى لقاء الأمير ألطنبغا الصالحي نائب الشام - وقد ورد الخبر بنزوله على بلبيس - ليأتي به سريعًا‏.‏

فوافاه ومن معه إلى بلبيس فسأله في القدوم إلى القاهرة بسرعة فلم يوافقه على السرعة وقصد أن يكون حضوره في يوم الخميس أول شعبان‏.‏

وبات ألطنبغا ليلة الثلاثاء على بلبيس وركب من الغد ونزل سرياقوس فبلغه ركوب الأمراء على قوصون وأنه محصور بالقلعة فركب بمن معه إلى بركة الحاج وإذا بطلب قوصون وسنجقه قد وافوه في نحو مائة مملوك وأعلموه أن في نصف الليل ركبت الأمراء وآحتاطت بإسطبل قوصون ثم حصروه في قلعة الجبل فخرجوا هم على حمية حتى وصلوا إليهم هذا ما كان من أمر ألطنبغا نائب الشام‏.‏

وأما أمر قوصون فإنه لما بعث تلجك ليأتيه بالأمير ألطنبغا نائب الشام سريعًا تحقق أيدغمش وأصحابه أن قوصون فهم عنهم ما دبروه فتواعد الأمير أيدغمش مع من وافقه على أن يركبوا في الليل إلى الكرك‏.‏

فجهز كل منهم حاله حتى كان ثلث الليل فتح الأمراء باب السور من قلعة الجبل ونزلوا إلى الأمير أيدغمش بالإسطبل السلطاني‏.‏

ثم مضى كل واحد إلى إسطبله فلم ينتصف الليل إلا وعامة الأمراء بأطلابهم في سوق الخيل تحت القلعة وهم‏:‏ الأمير ألطنبغا المارداني ويلبغا اليحياوي وبهادر الدمرداشي والحاج آل ملك والجاولي وقماري الحسني أمير شكار وأرنبغا وآق سنقر السلاري‏.‏

وبعثوا إلى إسطبلات الأمراء مثل جنكلي بن البابا وبيبرس الأحمدي وطرغاي وقياتمر والوزير ولبست مماليكهم وأخرجت أطلابهم‏.‏

ثم خرج إليهم الأمير أيدغمش بمماليكه ومن عنده من الأوجاقبة ووقفوا جميعا ينتظرون نزول قوصون إليهم فأحس قوصون بهم وقد آنتبه فطلب الأمراء المقيمين بالقلعة فأتاه منهم آثنا عشر أميرًا منهم جنكلي بن البابا وقياتمر والوزير‏.‏

ولبست مماليك قوصون التي كانت عنده بالقلعة وسألته أن ينزل ويدرك إسطبله ويجتمع بمن فيه من مماليكه وكانوا سبعمائة مملوك وكان قوصون يغتر بهم ويقول‏:‏ ‏"‏ إيش أبالي بالأمراء وغيرهم‏!‏ عندي سبعمائة مملوك ألقى بهم كل من في الأرض ‏"‏ فلم يوافقهم قوصون على النزول لما سبق في القدم‏.‏

وأقام قوصون بالقلعة إلى أن طلع النهار فلما لم يظهر له حركة طمع أيدغمش فيه وأمر الأوجاقية أن تطلع إلى الطبلخاناه السلطانية وأخرج لهم الكوسات فدقوا حربيًا‏.‏

ثم نادى أيدغمش‏:‏ ‏"‏ معاشر أجناد الحلقة ومماليك السلطان والأجناد و البطالين يحضروا ومن ليس له فرس وليس له سلاح يحضر ويأخذ له الفرس والسلاح ويركب معنا ويقاتل قوصون ‏"‏ فأتاه جماعة كثيرة من أجناد الحلقة والمماليك ما بين لابس سلاح وراكب وبين ماش وعلى حمار‏.‏

وأقبلت العامة كالجراد المنتشر لما في نفوسهم من قوصون فنادى لهم أيدغمش‏:‏ ‏"‏ يا كسابة عليكم بإسطبل قوصون انهبوه ‏"‏ فأحاطوا به ومماليك قوصون من أعلاه ترميهم بالنشاب حتى أتلفوا منهم عدة كثيرة فركب مماليك يلبغا اليحياوي من أعلى بيت يلبغا - والبيت المذكور هو الآن موضع مدرسة السلطان حسن - وكان بيت يلبغا يشرف على بيت قوصون فلما طلعوا مماليك يلبغا اليحياوي تسلطوا على مماليك قوصون ورموا عليهم بالنشاب مساعدة للعوام وجرحوا منهم جماعة كثيرة وحالوا بينهم وبين العامة‏.‏

فهجمت العامة عند ذلك إسطبل قوصون ونهبوا زردخاناته وحواصله وأمواله وكسروا باب قصره بالفؤوس بعد مكابدة شديدة وطلعوا إلى القصر ونهبوا ما فيه وقوصون ينظر ذلك من شباك القلعة ويقول‏:‏ ‏"‏ يا مسلمين ما تحفظون هذا المال‏!‏ إما أن يكون لي أو يكون للسلطان ‏"‏ فقال أيدغمش‏:‏‏!‏ هذا شكرانه للناس والذي عندك فوق من الجوهر والتحف يكفي السلطان ‏"‏‏.‏

وصار قوصون كلما هم للركوب بمماليكه كسروا عليه الخاصكية وقالوا له‏:‏ ‏"‏ يا خوند غدًا نركب ونقتل هؤلاء ‏"‏ وصاروا يهونوا عليه أمر أيدغمش وأصحابه لباطن كان لهم مع أيدغمش حتى كان من أمره ما ولما هجمت العامة بيت قوصون خرجوا مماليكه منه على حمية وشقوا القاهرة وتوجهوا إلى عند الأمير ألطنبغا الصالحي نائب الشام فبعث أيدغمش في أثرهم إلى ألطنبغا نائب الشام ومن معه بالسلام عليهم وأن يمنعوا مماليك قوصون من الاختلاط بهم فإن الأمير يلبغا اليحياوي والأمير آق سنقر قادمان في جمع كبير لأخذ مماليك قوصون وحواشيه‏.‏

فأمر ألطنبغا نائب الشام مماليك قوصون وتلجك وبرسبغا الحاجب أن يكونوا على حدة ولبسوا الجميع وأخذ الأمير برسبغا مماليك قوصون وجماعته إلى جهة الجبل فلقيهم الأمير يلبغا اليحياوي بمن معه على بعد وكان ذلك بعدما أمسك قوصون فسار خلفهم إلى قرب إطفيح‏.‏

وقيل في أمر مماليك قوصون غير ذلك على ما سنذكره بعد القبض على قوصون‏.‏

وأما قوصون فإنه بقي واقفا بشاك القلعة والعامة تنهب في بيته فلم يمض إلا ساعات من النهار حتى نهب جميع ما في إسطبله وقوصون يضرب يدًا على يد ويقول‏:‏ ‏"‏ يا أمراء‏!‏ هذا تصرف جند‏!‏ ينهب هذا المال جميعه ‏"‏ وكان أيدغمش قصد بذلك أن يقطع قلب قوصون‏.‏

ثم بعث قوصون إلى أيدغمش يقول‏:‏ ‏"‏ إن هذا المال عظيم وينفع المسلمين والسلطان فكيف تفعل هذا وتنادي بنهبه ‏"‏ فرد جوابه‏:‏ ‏"‏ نحن قصدنا أنت ولو راح هذا المال وأضعافه ‏"‏ هذا كله والقلعة مغلقة الأبواب وجماعة قوصون يرمون من الأشرفية بالنشاب إلى أن قرب العصر والعامة تجمع نشابهم وتعطيه لمن هو من جهة أيدغمش‏.‏

فلما رأى قوصون أمره في إدبار سلم نفسه ودخل عليه الأمير بلك الجمدار وملكتمر السرجواني يأمراه أن يقيم في موضع حتى يحضر ابن أستاذه من الكرك فيتصرف فيه كما يختار فلم يجد بدًا من الإذعان‏.‏

وأخذ يوصي الأمير جنكلي بن البابا وأمير مسعود حاجب الحجاب على أولاده فأخذ وقيد ومضوا به إلى البرج الذي كان بشتك فيه ورسم عليه جماعة من الأمراء‏.‏

وكان الذي تولى مسكه وحبسه جنكلي بن البابا وأمير مسعود الحاجب وأرنبغا أمير جاندار‏.‏

وأما الأمير ألطنبغا الصالحي نائب الشام ومن معه فإن برسبغا وتلجك والقوصونية لما فارقوا ألطنبغا المذكور سار ألطنبغا وأرقطاي والأمراء يريدون القاهرة وأشار ألطنبغا نائب الشام على أرقطاي نائب طرابلس أن يرد برسبغا وتلجك والقوصونية ويقاتل بهم أيدغمش‏:‏ فإنه ينضم إليه جميع حواشي قوصون ويأخذوا أيدغمش ويخرجوا قوصون ويقيموه كبيرًا لهم أو يخرجوه إلى حيث يختار ويقيموا سلطانًا أو ينتظروا أحمد فلم يوافقه أرقطاي على ذلك لعفته عن سفك الدماء‏.‏

فلما أعيا ألطنبغا أمره سارا نحو القاهرة حتى وافيا أيدغمش وهو واقف تحت القلعة بأصحابه فأقبل أيدغمش عليهما وعانقهما وأمرهما أن يطلعا إلى القلعة فطلعا‏.‏

ثم أرسل أيدغمش الأمير قازان والأمير آق سنقر خلف برسبغا وتلجك ومن معهما‏.‏

وجلس أيدغمش مع ثقاته من الأمراء وقرر معهم تسفير قوصون في الليل إلى الإسكندرية والقبض على ألطنبغا الصالحي نائب الشام وعلى أرقطاي نائب طرابلس ومن يلوذ بهما من الغد - فكان كذلك وقبض عليهم - وتسفير الأمير بيبرس الأحمدي والأمير جنكلي بن البابا لإحضار السلطان الملك الناصر أحمد من الكرك‏.‏

ثم أخرج الأمير قوصون من سجنه بقلعة الجبل في ليلة الخميس مع مائة فارس حتى أوصلوه إلى النيل وركب البحر ومضي به إلى الإسكندرية فسجن بها على ما سيأتي ذكره‏.‏

وأما ما نهب لقوصون في هذه الحركة فشيء كثير فإنه كان في حواصله من الذهب النقد أربعمائة ألف دينار عين في أكياس ومن الحوائص الذهب والكلفتات الزركش والأواني فشيء لا ينحصر وثلاثة أكياس أطلس فيها فصوص وجواهر مثمنة بما ينيف على مائة ألف دينار ومائة وثمانون زوج بسط منها ما طوله أربعون ذراعًا وثلاثون ذراعًا كلها من عمل الروم وآمد وشيراز وستة عشر زوجا من عمل الشريف بمصر وأربعة أزواج بسط حرير لا يقوم عليها لحسنها فآنحط سعر الذهب من كثرة ما نهب لقوصون حتى صرف بأحد عشر درهمًا الدينار مما صار وكثر في أيدي الناس بعدما كان الدينار بعشرين درهمًا ولأن أيدغمش نادى بعد ذلك بالقاهرة ومصر أن من أحضر من العامة ذهبًا لتاجر أو صيرفي أو متعيش يقبض عليه ويحضر به إلى أيدغمش فكان من معه منهم ذهب يأخذ فيه ما يدفع إليه من غير توقف فرخص سعر الذهب لذلك‏.‏

وكثرت مرافعات الناس بعضهم لبعض فيما نهب فجمع أيدغمش شيئًا كثيرًا من ذلك فإن العامة يوم نهب إسطبل قوصون أخذوا من قصره حتى سقوفه وأبوابه ورخامه وتركوه خرابًا ثم مضوا إلى خانقاته بباب القرافة فمنعهم صوفيتها من النهب فما زالت العامة تقاتلهم حتى فتحوها ونهبوا جميع ما فيها حتى سلبوا الرجال والنساء ثيابهم فلم يدعوا لأحد شيئًا وقطعوا بسطها وكسروا رخامها وأخربوا بركتها وأخذوا الشبابيك وخشب السقوف والمصاحف وشعثوا الجدر‏.‏

ثم مضوا إلى بيوت مماليك قوصون وهم في حشد عظيم فنهبوها وخربوها وما حولها وتتبعوا حواشي قوصون بالقاهرة والحكورة وبولاق والزريبة وبركة قرموط وباعت العامة السقوف والأواني بأخس الأثمان وصارت العامة إذا أرادوا نهب أحد قالوا‏:‏ هذا قوصوني فيذهب في الحال جميع ماله‏.‏

وزادت الأوباش في ذلك حتى خرجوا عن الحد‏.‏

وشمل الخوف كل أحد فقام الأمراء على أيدغمش وأنكروا عليه تمكين العامة من النهب فأمر لسبعة من الأمراء فنزلوا إلى القاهرة والعامة مجتمعة على باب الصالحية في نهب بيت القاضي الغوري الحنفي فقبضوا على عدة منهم وضربوهم بالمقارع وشهروهم فآنكفوا عن نهب الناس‏.‏

انتهى‏.‏

وأما

 أصل قوصون

وآتصاله بالملك الناصر محمد بن قلاوون حتى صار ساقيه أعظم مماليكه هو وبكتمر الساقي فإن قوصون كان ممن حضر إلى الديار المصرية من بلاد الترك صحبة خوند بنت أزبك خان التي تزوجها الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو غير مملوك‏.‏

فلما كان في بعض الأيام طلع قوصون إلى القلعة في خدمة بعض التجار فرآه السلطان الملك الناصر فأعجبه فقال للتاجر‏:‏ لأي شيء ما تبيعني هذا المملوك فقال التاجر‏:‏ هذا ما هو مملوك فقال الملك الناصر‏:‏ لا بد أن أشتريه ووزن ثمنه مبلغ ثمانية آلاف درهم وجهز الثمن إلى أخيه صوصون إلى البلاد‏.‏

ثم أنشأه الملك الناصر وجعله ساقيًا ثم رقاه حتى جعله أمير مائة ومقدم ألف وعظم عند الملك الناصر وحظي عنده وزوجه بابنته وهي ثانية بنت زوجها الملك الناصر لمماليكه في سنة سبع وعشرين وسبعماية وكان له عرس حفل آحتفل به الملك الناصر وحمل الأمراء التقادم إليه فكان جملة التقادم خمسين ألف دينار‏.‏

ولما كان يقع بينه وبين بكتمر الساقي منافسة يقول قوصون‏:‏ أنا ما تنقلت من الإسطبلات إلى الطباق بل اشتراني السلطان وجعلني خاصكيًا مقربًا عنده دفعة واحدة فكان الملك الناصر يتنوع في الإنعام على قوصون حتى قيل إنه دفع إليه مرة مفتاح زردخانات الأمير بكتمر الساقي بعد موته وقيمتها ستمائة ألف دينار قاله الشيخ صلاح الدين الصفدي في تاريخه‏.‏

ثم تزايد أمر قوصون حتى وقع له ما حكيناه‏.‏

واستمر قوصون بسجن الإسكندرية هو وألطنبغا الصالحي نائب الشام وغيرهما حتى حضر الملك الناصر أحمد من الكرك وجلس على كرسي الملك بقلعة الجبل حسب ما يأتي ذكره‏.‏

واتفقت آراء الأمراء على قتل قوصون فجهزوا لقتله شهاب الدين أحمد بن صبح إلى الإسكندرية فتوجه إليها وخنق قوصون وألطنبغا نائب الشام وغيرهما في شوال سنة اثنتين وأربعين وقيل في ذي القعدة على ما يأتي بيان ذلك في وقته‏.‏

وخلف قوصون عدة أولاد من بنت أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون‏.‏

وكان أميرًا جليلًا كريمًا خيرًا شجاعًا وكان يعطي العطايا الهائلة وكان إذا ركب للصيد في أيام أستاذه يركب في خدمته ثلث عسكر مصر وكان يركب قدامه بالقاهرة مائة نقيب وكان أخوه صوصون أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية وقيل أمير طلبخاناه‏.‏

وكان وقع بين قوصون وبين تنكز نائب الشام فلما قبض على تنكز وحمل إلى القاهرة ما عامله قوصون إلا بكل خير‏.‏

ولما أمسك قوصون وقتل قال فيه الصلاح الصفدي‏:‏ قوصون قد كانت له رتبة تسمو على بدر السما الزاهر فحطه في القيد أيدغمش من شاهق عال على الطائر ولم يجد من ذله حاجبًا فأين عين الملك الناصر وقال في قوصون وفي واقعته عدة من الشعراء من الشعر والبلاليق والأزجال‏.‏

وعملت الحلوانية مثاله في حلاوة العلاليق فقال في ذلك جمال الدين إبراهيم الأديب المعمار‏:‏ شخص قوصون رأينا في العلاليق مسمر فعجبنا منه لما جاء في التسمير سكر ولبعض عوام مصر قصيدة ‏"‏ كان وكان ‏"‏ أولها‏:‏ من الكرك جانا الناصر وجب معه أسد الغابه ووقعتك يا أمير قوصون ما كانت إلا كدابه وأشياء غير ذلك وقد خرجنا عن المقصود ولنرجع إلى ذكر أيدغمش وما فعله بمصر‏.‏

وأما أيدغمش فإنه آستمر مدبر الديار المصرية وقام بأمر السلطان الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون وجمع الأمراء وخلع الملك الأشرف علاء الدين كجك ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون من الملك في يوم الخميس أول شعبان من سنة آثنتين وأربعين وسبعمائة‏.‏

فكانت مدة سلطنته على مصر خمسة أشهر وعشرة أيام ولم يكن له فيها من السلطنة إلا مجرد الاسم فقط وليس له من الأمر شيء وذلك لصغر سنه‏.‏

وكان المتصرف في المملكة في سلطنته الأمير قوصون‏.‏

وكانت إذا حضرت العلامة أعطى قوصون الأشرف كجك في يده قلمًا وجاء الفقيه الذي يقرئه القرآن فيكتب العلامة والقلم في يد الأشرف كجك‏.‏

واستمر الأشرف كجك بعد خلعه من السلطنة في الدور السلطانية تحت كنف والدته وهو ووالدته في ذل وصغار وهوان مع من تسلطن من إخوته لا سيما مع أم الملك الصالح إسماعيل فكانت في كل قليل إذا توعك ولدها الملك الصالح إسماعيل وكان كثير الضعف تتهم المذكورة أنها تتعمد له بالسحر وتأخذ جواريها وحواشيها وتعاقبهم وأخذت منها جملة مستكثرة فدامت على هذا مدة سلطنة الملك الصالح حتى نزل مرة إلى سرحة سرياقوس وبعث دس عليه أربعة خدام طواشية فقتلوه على فراشه سنة ست وأربعين وسبعمائة وله اثنتا عشرة سنة‏.‏

سلطنة الملك الناصر أحمد السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد ابن السلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد ابن‏.‏

السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون‏.‏

تسلطن بعد خلع أخيه الأشرف كجك وكان بويع بالسلطنة قبل خلع كجك أيضًا وهو بقلعة الكرك حسب ما ذكرناه في واقعة قطلوبغا الفخري مع ألطنبغا الصالحي نائب الشام‏.‏

وأم الملك الناصر هذا كان آسمها بياض كانت تجيد الغناء وكانت من عتقاء الأمير بهادر آص رأس نوبة وكانت تعرف بقومة وكان للناس بها اجتماعات في مجالس أنسهم‏.‏

فلما بلغ السلطان الملك الناصر خبرها طلبها وآختص بها وحظيت عنده فولدت أحمد هذا على فراشه‏.‏

ثم تزوجها بعد ذلك الأمير ملكتمر السرجواني في حياة الملك الناصر محمد‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ والملك الناصر أحمد هذا هو الخامس عشر من ملوك الترك بالديار المصرية والثالث من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون‏.‏

والآن نذكر ما وقع بالديار المصرية بعد خلع الأشرف كجك إلى حين دخول الملك الناصر هذا إليها من الكرك‏.‏

ولما قبض أيدغمش على قوصون وخلع الملك الأشرف كجك من السلطنة حسب ما تقدم ذكره بعث بالأمير جنكلي بن البابا والأمير بيبرس الأحمدي والأمير قماري أمير شكار إلى الملك الناصر أحمد بالكرك وعلى يدهم كتب الأمراء يخبرونه بما وقع ويستدعونه إلى تخت ملكه‏.‏

ثم جلس الأمير سيف الدين أيدغمش والأمير ألطنبغا المارداني والأمير بهادر الدمرداشي والأمير يلبغا اليحياوي وآستدعوا الأمراء فلما حضروا أمر أيدغمش بالقبض على ألطنبغا الصالحي الناصري نائب الشام وعلى الأمير أرقطاي نائب طرابلس وسجنا بقلعة الجبل وأمسكوا بعدهما سبعة أمراء أخر من أمراء الطبلخاناه والأمير قياتمر أحد مقدمي الألوف وجركتمر بن بهادر أيضًا من مقدمي الألوف وعدة أمراء أخر حتى كانت عدة من قبض عليه من الأمراء في هذا اليوم خمسة وعشرين أميرًا‏.‏

ثم كتب الأمير أيدغمش إلى الأمير قطلوبغا الفخري يعرفه بما وقع ويحرضه على الحضور صحبة السلطان الملك الناصر أحمد‏.‏

ثم طلب أيدغمش جمال الدين يوسف والي الجيزة وخلع عليه بولاية القاهرة فنزل إلى القاهرة فإذا بالعامة في نهب بيوت مماليك قوصون فقبض على عشرين منهم وضربهم بالمقارع وسجنهم بعدما شهرهم فآجتمت الغوغاء ووقفوا لأيدغمش وصاحوا عليه‏:‏ وليت على الناس واحد قوصوني ما يخلي منا واحدًا‏!‏ وعرفوه ما وقع فبعث الأوجاقية في طلبه فوجدوه بالصليبة يريد القلعة فصاحت عليه الغوغاء‏:‏ قوصوني‏!‏ يا غيرية على الملك الناصر ورجموه من كل جهة‏.‏

فقامت الجبلية والأوجاقية في ردهم فلم يطيقوا ذلك وجرت بينهم الدماء فهرب الوالي إلى إسطبل ألطنبغا المارداني وحمته مماليك ألطنبغا من العامة فطلب أيدغمش الغوغاء وخيرهم فيمن يلي فقالوا‏:‏ نجم الدين الذي كان ولي قبل ابن المحسني فطلبه وخلع عليه فصاحوا‏:‏ بحياة الملك الصالح الناصر‏!‏ اعزل عنا ابن رخيمة المقدم وحمامص رفيقه فأذن لهم في نهبهما فتسارع نحو الألف منهم إلى دار ابن رخيمة بجانب بيت الأمير كوكاي فنهبوه ونهبوا بيت رفيقه ثم آنكفوا عن الناس‏.‏

وفي يوم الجمعة ثاني شعبان دعى على منابر مصر والقاهرة للسلطان الملك الناصر أحمد‏.‏

وفي يوم الإثنين خامسه تجمعت العامة بسوق الخيل ومعهم رايات صفر وتصايحوا بالأمير أيدغمش‏:‏ ‏"‏ زودنا لنروح إلى أستاذنا الملك الناصر ونجيء صحبته فكتب لهم مرسومًا بالإقامة والرواتب في كل منزلة وتوجهوا مسافرين من الغد‏.‏

وفي يوم الأربعاء سابع شعبان وصل الأمراء من سجن الإسكندرية الذين كان سجنهم قوصون حتى أفرج عنهم أيدغمش وهم الأمير ملكتمر الحجازي وقطليجا الحموي وأربعة وخمسون نفرًا من المماليك الناصرية‏.‏

وكان قوصون لما دخل إلى الإسكندرية مقيدًا وافوه هؤلاء بعد أن أطلقوا فسلموا عليه سلام شامت فبكى قوصون وأعتذر لهم بما صدر منه في حقهم‏.‏

وعندما قدموا إلى ساحل مصر ركب الأمراء إلى لقائهم وخرجت الناس لرؤيتهم فكان لقدومهم يوم مشهود حتى طلعوا إلى القلعة فتلقت خوند الحجارية بنت السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون زوجها ملكتمر الحجازي بخدامها وجواريها ومغانيها تضرب بالدفوف والشبابات فرحًا به‏.‏

ومعها أختها زوجة بشتك تساعدها بالفرح وهي شامتة بقوصون لكونه قتل زوجها بشتك الناصري قبل تاريخه هذا‏.‏

وأختها بنت الملك الناصر الأخرى زوجة قوصون بجانبها في عويل وبكاء وصياح ولطم على قوصون‏.‏

وقد آفترق جواري الملك الناصر وأولاده فرقتين فرقة مع الحجازية وفرقة مع القوصونية والعجب أن هذا الفرح والعزاء كان قبل ذلك بالعكس فكان العزاء إذ ذاك في بيت الحجازي والفرح في بيت قوصون والآن العزاء في بيت قوصون والفرح في بيت الحجازي وزوجة بشتك وإن كان وما من حبه أحنو عليه ولكن بغض قوم آخرين فآنظر إلى هذا الدهر وتقلباته بأسرع وقت من حال إلى حال فنعوذ بالله من زوال النعم‏.‏

ثم قدم بعد ذلك كتب الأمراء المتوجهين إلى الكرك لإحضار الملك الناصر بأنهم لما قربوا من الكرك بعث كل منهم مملوكه يعرف السلطان الملك الناصر بحضورهم إلى الكرك فبعث إليهم الملك الناصر رجلا نصرانيًا من نصارى الكرك يقول‏:‏ ‏"‏ يا أمراء السلطان يقول لكم‏:‏ إن كان معكم كتب فهاتوها أو مشافهة فقولوها ‏"‏ فدفعت الكتب إلى النصراني فمضى بها ثم عاد من آخر النهار بكتاب مختوم وقال عن السلطان‏:‏ ‏"‏ سلم على الأمراء وعرفهم أن يقيموا بغزة حتى يرد عليهم ما يعتمدوه ‏"‏‏.‏

وحضر مملوك من قبله يأمر الأمير قماري بالإقامة على ناحية صافيثا ثم بعث إلى الأمراء بخاتم وكتاب يتضمن إقامتهم على غزة والاعتذار عن لقائهم فعاد جنكلي والأحمدي إلى غزة وتوجه قماري إلى ناحية صافيثا‏.‏

فلما وقف الأمير أيدغمش على ذلك كتب من فوره إلى الأمير قطلوبغا الفخري يسأله أن يصحب السلطان الملك الناصر في قدومه إلى مصر ليجلس على تخت ملكه‏.‏

ثم كتب أيدغمش للأمراء بغزة بالإقامة بها في آنتظار السلطان وعرفهم بمكاتبة الفخري‏.‏

وأخذ أيدغمش في تجهيز أمور السلطنة وأشاع قدوم السلطان خوفًا من إشاعة ما عامل الناصر أحمد به الأمراء فيفسد عليه ما دبره‏.‏

فلما قدم البريد بكتاب أيدغمش إلى دمشق وافى قدوم كتاب السلطان أيضًا من الكرك يتضمن القبض على طرنطاي البجمقدار والأمير طينال وحمل مالهم إلى الكرك‏.‏

وكان قطلوبغا الفخري قد ولى طينال نيابة طرابلس وطرنطاي نيابة حمص فآعتذر الفخري بأن طينال في شغل بحركة الفرنج وأشار عليه بألا يحرك ساكنًا في هذا الوقت وسأله سرعة حضور السلطان ليسير بالعساكر في ركابه إلى مصر وأكثر الفخري من مصادرة الناس بدمشق‏.‏